قضاة النار…

8:45 م, السبت, 19 أغسطس 2023
قضاة النار…
أحمد ولد كركوب : ابروكسل 2023

في يوم 22 يناير 2021 أي اليوم الموالي لإطلاق سراحي بعد أن امضيت أسبوعين في سجن تحكمي بمدينة نواذيبو، اتصل علي الوالد أطال الله عمره حيث أخبرني أن رئيس غرفة الاتهام القاضي ولد كبادي طلب لقائي. ذهبت مع الوالد على القاضي وكنت لا أزال أعاني من آلام في الظهر تسبب لي ضيقا في التنفس -خاصة أثناء النوم ليلا- جراء الفترة التي قضيتها في السجن على مرتبة رقيقة جدا تتسرب منها البرودة إلى كافة أجزاء جسمي، حيث كنت أنام قليلا لذلك السبب، وبسبب أيضا الإضراب المستمر عن الطعام.
وصلنا مكتب القاضي ولد كبادي الذي كان حينها في أحد الطوابق العلوية للمحكمة، حيث لم ننتظر طويلا للدخول عليه، وبعد جلوسنا دخل مباشرة في الحديث عن سرد التهم الموجهة لي وما قال أنه أدلة دامغة منها أنني كتبت على الفيس بوك أن شخصا ليس لديه جد…. -التدوينة ما زالت موجودة- أقصد بها القاسم ولد بلالي الذي سأله رئيس البرلمان حينها عن جده ولم يستطع الإجابة حتى الآن حسب القاضي ولد كبادي. قال له الوالد “ولد بلالي قال له هو وأصحابه أنهم” افروخه ابلا ابات” والفيديوهات موجودة على الأنترنت، علق القاضي بسرعة “يمكنهم تقديم شكاية منه”. كلام القاضي هذا اعتبرته نوعا من الضحك علينا كشعب دأب القائمون على السلطة في موريتانيا وخصوصا السلطات القضائية على القيام به، هذا النوع من التبريرات هو الذي يبرر به المفسدون وقضاة النار أمثال ولد كبادي أفعالهم في القضاء وتسيير الشأن العام، إنهم شرذمة قليلون عاثوا في موريتانيا فسادا وإفسادا منذ الاستقلال وحتى اليوم، هذه المجموعات تتغلغل في مفاصل الدولة، تتقوى بالقبائل التي تعتمد عليها الأنظمة المتعاقبة على الحكم من أجل توطيد حكمها وخاصة الأنظمة العسكرية الدكتاتورية وآخرها نظام ولد الغزواني الذي يعتمد على القبلية والجهوية في تسيير حكمه، ولن يتغير حال موريتانيا إلا إذا تم التخلص من القبائل والجهات المعروفة التي تتحكم في التعليم والقضاء والصيد والصحة والتعليم…، وحتى في المجال الأمني والعسكري.
بعد أن أنهى ولد كبادي الجزء الأول من كلامه دخل في الجزء الثاني والأهم بالنسبة له والذي يتمحور حول رسالة يبدو أنها جاءت من سلطات أعلى منه وبأوامر محبوكة من هرم السلطة حيث قرأ علي ما هو موجود في صورة الورقة المرفقة، والذي من ضمنه حكم قضائي مفاده انني ممنوع من مزاولة عملي في مجال الصحافة والتدوين وذلك ضمن الرقابة القضائية الموريتانية الفريدة من نوعها عالميا والتي تظل إلى الأبد. (الحكم: عدم ممارسة أي نشاط يتعلق بالصحافة والتدوين في المواقع الاجتماعية)، وعندما علقت على الحكم قال أن هذا طبق إحدى مواد القانون الموريتاني ، والتي يبدو أنها أقوى من دستور البلد الذي دأب نظام والغزواني على انتهاكه منذ وصوله للحكم، حيث تعتبر الجماعة المحيطة بولد الغزواني من صوفية وحركات إيديولوجية أن الدستور ليس قرآنا وبالتالي انتهاكه أمر مشروع والمهم بالنسبة لهم هو القرآن والحديث والنجاة في الآخرة، أما الدساتير والقوانين الوضعية فإن ضرب عرض الحائط بها أمر عادي وذنبه مغتفر.
علقت للقاضي ولد كبادي على الحكم واعتبرت أنه حكم في غير محله وهذا عملي، قال لي بالحرف الواحد “أنت ما زلت شابا وابحث لك عن مجال عمل آخر غير الصحافة” غادرت مكتب القاضي رفقة الوالد وأنا أشعر بنوع من الغضب لم أشعر به من قبل حتى أن بعضه مازال في داخلي حتى الآن ولا أريد لهذا الغضب أن ينتهي على الأقل مادامت الأوضاع على ماهي عليه ومادام كل ذي حق ممنوعا منه.
أنا طبعا لن أستمع للقاضي ولا لأحد فيما أقرره أو أقوم به من عمل، كبرت وأنا أتخذ قرارتي التي تخصني بنفسي ولا تعنيني، كما لا تعنيني قرارات الآخرين وأحكامهم فهي أشياء تخصهم ولا تنطبق علي، أنا لن أتخلى عن الصحافة نزولا عند رغبة قاض مأمور ولا سيده المجلوب والذي حصل على جنرال ولم يخض يوما حربا ولا قتالا عدا حروبه ومغامراته الشخصية، كما أنني لم اعتمد على الصحافة يوما من أجل الطبخ والأكل ولا حتى شرب كأس قهوة، لأن الصحافة في موريتانيا إن كانت فيها أموال فمعروف أين تصل ومن المستفيد منها.
كنت دائما أعتمد على عملي الخاص في تحصيل لقمة العيش إضافة إلى معاملات مع شركات البعض منها لم يكن يعرف أنني صحافي قبل انتشار أخباري في المواقع الإخبارية وعلى التواصل الاجتماعي عندها علم أنني صحفي مسجون بشكاوى كيدية من قبل أنذال وسفلة، ولم يغير ذلك من معاملاتهم معي بالعكس بل استمرت وازدادت، هذه الشركات منها ما هو وطني وما هو دولي، إذن خلاصته فمداخيل الصحافة لاتسمن ولا تغني من جوع.
بعد أشهر على هذا اللقاء الذي جمعني بالقاضي ولد كبادي وصلتني صوتية على الخاص للقاضي ولد كبادي نفسه من رقم مجهول مدتها تزيد على عشر دقائق يسرد فيها قصته مع مرض القولون وأنه وصل للمستشفى الجهوي في مدينة نواذيبو المعروف ب “طب اسبانيا” وانه لاقى عناية سيئة كاد يلقى خلالها حته منتقدا سوء المستشفى وسوء المعاملة التي تلقاها كقاضي وكإنسان ويقول في نهاية الصوتية انشروا هذه الصوتية في التواصل الاجتماعي الواتساب والفيس بوك حتى يعلم بها الجميع.
الدوائر تدور والزمن يدور، لكن القضاة والقضاء الموريتاني يبقى أمام معضلات حقيقية من أهمها عدم استقلاليته وتحكم المال والسلطة التنفيذية فيه، وسيطرة “أهل لخيام” عليه.
يتبع