اللص النظيف..

12:00 ص, الثلاثاء, 8 أغسطس 2023
اللص النظيف..
أحمد ولد كركوب : ابروكسل 2023
قبل أسابيع وفي إحدى محطات الميترو تعرض هاتفي العتيد للسرقة من قبل “سارق نظيف”، كنت أجلس انتظر الميترو المتجه نحو الغرب، كالعادة وفجأة وصل بسرعة، صعدت فإذا بامرأة كبيرة في السن تنادي أن هناك من يمسك هاتفا ويلوح به ربما يبحث عن صاحبه، قلت ” يا إلهي هذا هاتفي أنا ” كان الوقت قد فات وانطلق الميترو بسرعة نحو المحطة الموالية والتي لا تبعد كثيرا عن المحطة التي انطلقنا منها.. جريت بسرعة وأخذت الميترو العائد ، كل هذا لم يستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث، لكنني لم أجد الهاتف، بحثت في كل مكان سألت حاولت الاتصال من هاتف أحد الشباب القريبين مني لكن الهاتف كان يرن دون رد.
بعدها اتجهت إلى مركز للشرطة قريب من المحطة لأبلغهم بسرقة هاتفي فطلب مني الشرطيان في الاستقبال الرقم التسلسلي للهاتف إلا أنني لم أعثر عليه ولم تكن هناك أية وسيلة للحصول عليه، حاول الشرطي وزميلته في العمل الاتصال بالهاتف لكن دون جدوى عندها هز الشرطي برأسه وأومأ بكلمات لزميلته لم أسمع تلك الكلمات بفعل النافذة الزجاجية العازلة قبل أن يقولا لي “لابد لك من الحصول على الرقم التسلسلي كي نستطيع مساعدتك نحن متأسفون”.
أدركت حينها أن هاتفي الذي رافقني طيلة الخمس سنوات الماضية قد ضاع وإلى الأبد، حاولت جاهد إيجاد بصيص أمل يمكن العثور من خلاله على الرقم التسلسلي لكنني فشلت للأسف.
الهاتف العتيد رغم أنه قديم إلا أن لي معه ذكريات كثيرة -ناهيك عن العمل الذي أقوم به من خلاله- حيث قضى 4 أشهر مسجونا بأمر من وكيل الجمهورية الوضيع المرتشي لدى محكمة نواذيبو المدعو ولد اياهاه قبل أن يصدر القاضي عمر قرارا قضائيا بتسليمي إياه كما أنه أي الهاتف كان شاهدا على فترة مهمة من حياتي وسافر معي إلى دول وقارات إن لي معه ذكريات جميلة.
عدت إلى المحطة ثانيا لعلّي أجد بصيص أمل أو يعود “اللص” إلى رشده ويعيد الهاتف إلى مكانه إلا أنني صدمت بالعثور على غطاء البلاستيك الذي كان يحمي الهاتف من الكدمات الجانبية “ابوشيت” مرمي في سلة القمامة المحاذية للمقعد الذي نسيت الهاتف عليه، فتعجبت وقلت في نفسي “يالك من سارق نظيف”، تذكرت حينها اللصوص وشذاذ الآفاق الذي يوجدون في موريتانيا يتقلدون المناصب ويمارسون السياسة وخاصة حين ما ينتعل أحدهم حذاء “هرمز Hermes” ب 250ألف أوقية ويتكلم عن الفقر والفساد وانعدام الماء والكهرباء الذي يعاني منه المواطنون الذين اشترى من أموالهم هذا الحذاء الثمين، وحينما يتكلم هذا السياسي السارق عن مشاكل الشباب والبطالة وتكون ابنته تتلقى راتبا من مؤسسة عمومية وهي لاتزورها إلا عندما يكون هناك تفتيش عن الحضور أو هناك بعثة إدارية قادمة، وكذلك أحد ابنائه يتلقى راتبا في مؤسسة عمومية لا يعرف هل مازال طلاء أبوابها باللون الأزرق أم أنه تحول إلى اللون الرمادي.
شرذمة شذاذ الآفاق هذه موجودة في موريتانيا تمتطي السيارات الحكومية وتسافر بها بين المدن والولايات، وتستخدما أيضا للذهاب بأبنائها إلى المدارس الخاصة، لأنه لامجال لتفكيرهم أن يخوض في أهمية المدرسة العمومية التي ينادي لها نظام الغزواني الفاسد الذي يأوي اللصوص والمنافقين، هؤلاء اللصوص سيصرخون في وجه رأس النظام عند مغادرته للحكم كما فعلوا مع سلفه من قبل، إنهم كالكلاب المسعورة.
بعد أن استسلمت للأمر الواقع وتخطيت أزمة سرقة الهاتف أيقنت أن سرقة هاتفي رغم أهميته بالنسبة لي لاتساوي شيئا، فهناك بلد مسروق منهوب هو موريتانيا، وما يحز في النفس أن من سرقوه هم لصوص قذرون مهما حاولوا تنظيف أنفسهم بالمال والدعاية والإعلام، ببساطة لأن القذارة هي منبعهم وهي مآلهم ذات يوم طال الزمن أم قصر.